الدولة العميقة والدولة الحديثة المنشودة
يمنات
د. فؤاد الصلاحي
يري البعض من المراقبين و الباحثين ان احد اهم معوقات التغير السياسي و الاجتماعي في البلدان العربية يكمن بحضور قوى للدولة العميقة (هذا الاخير مفهوم غير علمي لكنه مصطلح منتشر في الادبيات و الخطاب الاعلامي يشير الى قوة مؤسسات الجيش و البيروقراطية التي يهيمن عليها احد اجنحة النخبة السياسية).
و للعلم هذا المفهوم رغم دلالاته الا انه لا يعبر عن دولة حقيقية فاعلة بقدر الاشارة الى قوة مراكز القوى التي احتلت وظائف الدولة و مؤسساتها بالاستناد الى جماعات محددة تشكل تحالف يخدم بعضها بالانتقاص من مفهوم الدولة و تغييب قوانينها.
و مع ذلك فبعض المؤسسات الفاعلة مثل الامن و المخابرات و الجيش او قطاعا منه مع المؤسسات المالية دائما ما تكون تحت هيمنة النخبة المسيطرة سواء جاءت بالانتخاب او بالانقلاب و هي تحظي بدعم الخارج لكنها لا تخدم الشعب الذي تنفصل عنه بل تتسيد عليه باستخدام الادوات القمعية و الايدولجية بمفهوم التوسير.
و لما كانت الدولة الحديثة في واقعنا العربي لم يكتمل نموها و لم تتمأسس في واقع المجتمع على الرغم انها اصبحت فاعلة و حاضرة في اوروبا منذ معاهدة وستفاليا 1648 و تبلورت اكثر حضورا مع الثورة الفرنسية و نجاحها و ما تلى ذلك من متغيرات في الشأن الدولي في عموم اوروبا.
اما بلداننا العربية رغم اهمية الحاجة الى الدولة موضوعيا و ذاتيا باعتبارها رافعة تنظيمية للمجتمع و اخراجه من تكويناته الاولية نحو مسار حداثي في سياق حضاري عالمي الا واقعنا العربي يجعل من الدولة متخيل سياسي نرغب به و نناضل من اجل تحققه اكثر من كونه واقعا معاشا . فالسائد دولة القبيلة و الطائفة و الحزب، دولة تستمد مشروعيتها من الخارج اكثر من الداخل.
الجدير بالذكر ان ازمة هذه الدولة التي لاتزال في طور النشأة و مشكلاتها لا تنفصل عن ازمة النخب السياسية التي هي في الاصل نخب بائسة فكرا و ثقافة و لا تستطيع بفعل نشأتها و تكوينها ان تكون قائدة للتغيير و الحداثة من منظور الدولة الوطنية الديمقراطية .. و كثيرا ما تتحول الدولة بفعل هذه النخب الى اداة للجباية و ممارسة الاكراهات المادية و المعنوية بحق المواطنين، و ما الحركات الاجتماعية التغييرية الراهنة الا تعبيرا شعبيا و وطنيا من اجل بناء الدولة الحديثة في اطار مبدأ المواطنة المتساوية و هذا الامر يشكل هدفا و شعارا و مشروعا يستحق النضال من اجل تحققه في سياق مشروع مدني ديمقراطي يتجاوز العصبويات بكل تكويناتها.
المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.